فصل: دولة منصور بن بلكين.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن دولة آل زيري بن مناد ولاة العبيديين من هذه الطبقة بإفريقية وتصاريف أحوالهم.

لما أخذ المعز في الرحلة إلى المشرق وصرف اهتمامه إلى ما يتخلف وراء ظهره من الممالك والعمالات ونظر فيمن يوليه أمر أفريقية والمغرب ممن له الغناء والاضطلاع وبه الوثوق من صدق التشييع ورسوخ القدم في دارية الدولة فعثر اختياره على بلكين بن زيري بن مناد ولي الدولة منذ عهد أخذه ما بيده من أيدي زناتة وأموالها في سبيل الإباء على الدولة والمظاهرة للدولة.

.دولة بلكين بن زيري.

فبعث خلف بن بلكين بن زيري وكان متوغلا في المغرب في حروب زناتة وولاه أمر أفريقية ما عدا أصهلية كانت لبني أبي الحسين الكلبي وطرابلس لعبد الله بن يخلف الكتامي وسماه يوسف بدلا من بلكين وكناه أبا الفتوح ولقبه سيف الدولة ووصله بالخلع والأكسية الفاخرة وحمله على مقرباته بالمراكب الثقيلة وأنفذ أمره في الجيش والمال وأطلق يده في الأعمال وأوصاه بثلاث: أن لا يرفع السيف عن البربر ولا يرفع الجباية عن أهل البادية ولا يولي أحدا من أهل بيته وعهد إليه أن يفتح أمره بغزو المغرب لحسم دائه ويقطع علائق الأموية منه وارتحل يريد القاهرة سنة اثنتين وستين وثلثمائة ورجع عنه بلكين من نواحي صفاقس فنزل قصر معد بالقيروان واضطلع بالولاية وأجمع غزو المغرب فغزاه في جموع صنهاجة ومخلف كتامة وارتحل إلى المغرب وفر أمامه ابن خزر صاحب المغرب الأوسط إلى سجلماسة وبلغه خلاف أهل تاهرت وإخراج عامله فرحل إليها وخربها ثم بلغه أن زناتة اجتمعوا إلى تلمسان فرحل إليهم فهربوا أمامه ونزل على تلمسان فحاصرها حتى نزل أهلها على حكمه ونقلهم إلى أشير وبلغه كتاب معد ينهاه عن التوغل في المغرب فرجع ولما كان سنة سبع وستين وثلثمائة رغب بلكين من الخليفة نزار بن المعز أن يضيف إليه عمل طرابلس وسرت وأجدابية فأجابه إلى ذلك وعقد له عليها ورحل عنها عبد الله بن يخلف الكتامي وولى بلكين عليه من قبله ثم ارتحل بلكين إلى المغرب وفرت أمامه زناتة فملك فاس وسجلماسة وأرض الهبط وطرد منها عمال بني أمية ثم غزا جموع زناتة بسجلماسة وأوقع بهم وتقبض على ابن خزر أمير مغراوة فقتله وجعل ملوكهم أمامه مثل بني يعلى بن محمد النفزي وبني عطية بن عبد الله ابن خزر وبني فلفول بن خزر ويحيى بن علي بن حمدون صاحب البصرة.
وبرزوا جميعا بقياطينهم إلى سبتة وبعثوا الصريخ إلى المنصور بن أبي عامر فخرج بعساكره إلى الجزيرة الخضراء وأمرهم بمن كان في حضرته من ملوك زناتة ورؤسائهم النازعين إلى خلفاء الأموية بالأندلس بقرطبة بالمقام في سبيل الطاعة واغتنام فضل الرباط بثغور المسلمين في إيالة الخلفاء واجتمعت منهم وراء البحر أمم مع ما انضم إليهم من العساكر والحشود وأجازهم البحر لقصر جعفر بن علي بن حمدون صاحب المسيلة وعقد له على حرب بلكين وأمده بمائة حمل من المال فتعاقد ملوك زناتة واجتمعوا إليه وضربوا مصاف القتال بظاهر سبتة وهرع إليهم المدد من الجزيرة من عساكر المنصور وكادوا يخوضون البحر من فرائض الزقاق إلى مظاهرة أوليائهم من زناتة ووصل بلكين إلى تيطاوير وتسنم هضابها وقطع شعوبها لنهج المسالك والطرق لعسكره حتى أطل على معسكرهم بظاهر سبتة فأرى ما هاله واستيقن امتناعهم.
ويقال إنه لما عاين سبتة من مستشرفه ورأى اتصال المدد من العدوة إلى معسكرهم بها قال: هذه أفعى فغرت إلينا فاها وكر راجعا على عقبه وكان موقفه ذلك أقصى أثره ورجع إلى البصرة فهدمها وكانت دار ملك ابن الأندلسي وبها عمارة عظيمة ثم انفتح له باب في جهاد برغواطة فارتحل إليهم وشغل بجهادهم وقتل ملكهم عيسى بن أبي الأنصار كما نذكره وأرسل بالسبى إلى القيروان وأذهب دعوة بني أمية من نواحي المغرب وزناتة مشردون بالصحراء إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة بواركش ما بين سجلماسة وتلمسان منصرفا من هذه الغارة الطويلة.

.دولة منصور بن بلكين.

ولما توفي بلكين بعث مولاه أبو زغبل بالخبر إلى ابنه المنصور وكان واليا بأشير وصاحب عهد أبيه فقام بأمر صنهاجة من بعده ونزل صيره وقلده العزيز نزار بن معد أمر أفريقية والمغرب وكان على سنن أبيه وعقد لأخيه أبي البهار على تاهرت ولأخيه يطوفت على أشير وسرحه بالعساكر إلى المغرب الأقصى سنة أربع وسبعين وثلثمائة يسترجعه من أيدي زناتة وقد بلغه أنهم ملكوا سجلماسة وفاس فلقيه زيري بن عطية المغاوي الملقب بالقرطاس أمير فاس فهزمه ورجع إلى أشير وأقصى المنصور بعدها عن غزو المغرب وزناتة واستقل به ابن عطية وابن خزرون وبدر بن يعلى كما نذكر بعد.
ثم رحل بلكين إلى رقاده وفتك بعبد الله بن الكاتب عامله وعامل أبيه على القيروان لهنات كانت منه وسعايات انجحت فيه فهلك سنة تسع وسبعين وثلثمائة وولي مكانه يوسف بن أبي محمد وكثر الواتر بكتابه فقتلهم وأثخن فيهم حتى أذعنوا وأخرج إليهم العمال وعقد لأخيه حماد على أشير وطالت الفتنة مع زناتة ونزل إليه منهم سعيد بن خزرون ولم يزل سعيد يعطيه إلى أن هلك سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وولى ابنه فلفول بن سعيد وخالف أبو البهار بن زيري سنة تسع وسبعين وثلثمائة فزحف إليه المنصور وفر بين يديه إلى المغرب وأمد المنصور أهل تاهرت ومضى في أتباع أبي البهار حتى نفد عسكره وأشير عليه بالرجوع فرجع وبعث أبو النهار إلى أبي عامر صاحب الأندلس في المظاهرة والمدد واسترهن ابنه في ذلك فكتب زيري بن عطية صاحب دعوة الأموية من زناتة بفاس أن يكون معه يدا واحدة فظاهره زيري واتفق رأيهما مدة وحاربهما بدر بن يعلى فهزماه وملكا فاس وما حولها ثم اختلفت ذات بينهما سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة ورجع أبو النهار إلى قومه ووفد على المنصور سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة بالقيروان فأكرمه ووصله وأنزله أحسن نزل وعقد له على تاهرت ثم هلك المنصور سنة خمس وثمانين وثلثمائة.